مقدمة
تعتبر بيت ساحور مدينة مهمة على الصعيدين الديني والسياحي، حيث تضم عددًا من المواقع الدينية والتاريخية البارزة التي تشكل نقطة جذب سياحيّة كبيرة على مدار العام. تعتبر جميع هذه الأماكن من أبرز معالم بيت ساحور التاريخية والدينية، وتشكل وجهات سياحية رائعة تستقطب آلاف الزوار سنويًا لاستكشاف التراث الغني والجمال الطبيعي للمنطقة. تتمثل هذه الأماكن في:
حقل الرعاة
وفقًا للكتاب المقدس، تلقى الرعاة البشارة الأولى بميلاد يسوع المسيح في وادٍ واسع في بيت ساحور. ورد ذلك في إنجيل لوقا (الفصل 2، الآيات 8-15)، حيث يُروى أن الرعاة كانوا يبيتون في الحقل، يحرسون رعيتهم ليلاً، عندها حل عليهم ملاك الرب ومجد الرب، وأشرق الرب حولهم، فخافوا بشدة. وقال الملاك لهم: “لا تخافوا، فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. لأنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وتكون هذه لكم العلامة. تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود”. وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين: “المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرة”. وبعد أن ذهبت الملائكة إلى السماء، قال الرعاة بعضهم لبعض: “لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الذي قاله الرب”.
يُعتقد أن الموقع الدقيق لظهور الملائكة للرعاة غير معروف، ولكن يتمحور تقليد الموقع حول مكانين: أحدهما تحت رعاية الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية المعروفة باسم “دير الرعوات”، والآخر تحت رعاية الرهبان الفرنسيسكان ويعرف باسم “دير إسير”.
حقل الرعاة للروم الأرثوذكس
هذا الموقع المقدس يقع في وادٍ صغير محاط بأشجار زيتون تمتد جذورها إلى ما يزيد على 2000 عام. والكنيسة الموجودة تحت الأرض، التي كانت في السابق مغارة للرعاة، تكرس للعذراء مريم. يُعرف الموقع لدى المسيحيين المحليين بإسم “دير الرعوات”، حيث يُقدس باعتباره المكان الذي ظهر فيه الملاك وأعلن بوجوده الإلهي السماوي، للرعاة المذهولين، قائلاً: “المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة”. ويُعتقد أن ثلاثة من الرعاة، الذين بشرهم الملاك بولادة المسيح، دُفنوا في الجانب الغربي من الكنيسة، ويظل قبرهم مرئيًا حتى اليوم. وكان الرعاة قد شرطوا في وصيتهم الأخيرة أن يُدفنوا في المكان الذي سمعوا فيه الإعلان السماوي.
أما القديسة هيلانة، فقد بنت فوق هذه المغارة كنيسة، وبجانبها ديرًا للراهبات يُعرف باسم “دير جلوريا في إكسيلسيس”. وعلى الرغم من أنه اليوم لم يبق سوى سرداب الكنيسة الذي يمكن الوصول إليه عن طريق نزول أربع وعشرين درجة، فإنه ما زال يعتبر موقعًا مقدسًا يجمع بين الروحانية والتأمل، ويحتوي على مذبح في الشرق مع عدد من اللوحات الصغيرة خلفه.
الكنيسة الجديدة
في عام 1972، تم بناء كنيسة جديدة بالقرب من الموقع التقليدي لكنيسة الرعاة الموجودة تحت الأرض. قام الأرشمندريت سيرافيم، الأب الروحي لدير مار سابا، ببناء هذه الكنيسة الحديثة بحجم كامل. وأثناء التنقيب في أساسات الكنيسة الجديدة، تم اكتشاف أنقاض ثلاث كنائس مختلفة تعود إلى القرنين الخامس والسادس والسابع. وتم اتخاذ قرار ببناء الكنيسة الجديدة بجوار الكهف بدلاً من البناء فوقه مباشرة، وذلك للحفاظ على هذه الآثار الثمينة. تضم الكنيسة الجديدة ثلاثة مذابح مقدسة، حيث يُخصص المذبح الرئيسي للسيدة مريم العذراء، والمذبح الأيمن للشهيد والشافي العظيم القديس بانتليمون، والمذبح الأيسر لرئيسي الملائكة ميخائيل وجبرائيل.
حقل الرعاة الكاثوليك
يُعرف الموقع هذا والذي يحظى باحترام التقاليد بإسم “دير إسير” ويقع على بعد كيلومتر واحد (0.6 ميل) إلى الشمال الغربي من كنيسة الرعوات. يتبع هذا الموقع الآباء الفرنسيسكان، وتم التنقيب فيه بعناية مما أسفر عن اكتشاف مؤسسة زراعية رهبانية واسعة وصهاريج وكهوف. وبناءً على الأدلة الميدانية، تم توسيع كنيسة مبكرة يعود تاريخها إلى القرن الخامس ، ومن أبرز ما يلفت الانتباه في موقع دير إسير هو الصهريج المقوس الجميل الذي لا يزال في حالة ممتازة. وتتضمن البقايا الأخرى بقايا بيزنطية من أرضيات فسيفساء وقنوات مائية وأوعية نبيذ، بالإضافة إلى أطلال مجموعة من المباني التي تشير إلى وجود مزرعة بدلاً من مؤسسة رهبانية بشكل خاص. ويوجد في المنطقة المجاورة بقايا برج المراقبة المعروف بـ “برج الدير”، الذي تم دمجه الآن في دار العجزة الفرنسيسكانية. وكان الكهف الذي يحتوي على المذبح مألوفًا تقليديًا للرعاة.
الكنيسة الجديدة
يقع الحرم الحالي، الذي تم تشييده في عامي 1953-1954، فوق كهف يُعتقد أن الرعاة عاشوا فيه حيث يأخذ المبنى شكل الخيمة، وهو مضلع يتألف من خمسة أضلاع مستقيمة وخمسة أضلاع بارزة. النور الذي يغمر الداخل يذكرنا بالأضواء القوية التي كانت موجودة عندما أعلن الملائكة عن الميلاد الإلهي.. وفي داخل الكنيسة، تم تزيين الجزء الأمامي والعلوي من المذبح بـ 15 لوحة تصور مشاهد مختلفة من البشارة وحتى وصول العائلة المقدسة إلى مصر. تم بناء هذا الحرم على يد المهندس المعماري الإيطالي بارلوتسي، وهو مخصص للملائكة. وقد جرى وضع حجر الأساس وتكريس الكنيسة في يوم عيد الميلاد. في كل عام من عشية عيد الميلاد، تزدحم هذه الحقول بآلاف الحجاج الذين يغنون ترانيم عيد الميلاد للاحتفال بالحدث البهيج.
حقل راعوث
حقل الرعاة في بيت ساحور يعتبر أيضًا موقع لقاء بوعز وراعوث كما ورد في كتاب راعوث. في هذه المنطقة، حدثت القصة الرومانسية لنعومي وراعوث، حيث كانتا تجمعان القمح في حقول الشعير في بيت لحم. ولقد خلّدت هذه القصة بصورة لا تُنسى في أذهان الجميع. إن راعوث مميزة في تاريخ البشرية بسبب أن قصتها لم تكن في المقام الأول قصة حبها للرجل، بل كانت قصة إخلاصها لحماتها. وكانت راعوث متزوجة من بوعز وأنجبت منه ولدًا يدعى عوبيد. وعوبيد هو جد داود الملك والنبي، وهكذا خلّفت راعوث إرثًا عظيمًا يمتد عبر العصور.
بئر السيدة العذراء
بئر مريم العذراء يقع في البلدة القديمة، وهو البئر الأعمق والأهم في بيت ساحور. قام يعقوب بن إسحاق، الابن الذي كان لإبراهيم، ببناء هذا البئر. وفي رحلتها إلى مصر، مرت العذراء مريم على هذا البئر وشعرت بالعطش، فطلبت أن تشرب من دلو الماء لأن البئر كان عميقًا جدًا. وبشكل مفاجئ، ارتفع الماء في البئر بنفسه وتمكنت العذراء من شربه مباشرةً. يشتهر هذا البئر بأنه موقع للعديد من المعجزات التقليدية، وهو وقف ديني ينتمي إلى المدينة بأكملها. قامت بلدية بيت ساحور ببناء مقام فوق البئر خصيصًا لاستخدام المسيحيين من جميع الطوائف، ويحظى بتقدير كبير أيضًا من قبل العديد من المسلمين. وداخل البئر، تم تغطية الجدران بالأيقونات واللوحات التي تصور مواضيع مسيحية قدمها المصلون، كما يوجد العديد من الهدايا والصور الأخرى التي تُضفي روحًا مميزة على هذا المكان المقدس.